الجمعة، 23 مارس 2012

البابـلى

      

            . . البابلى . .






- تيقنت حين رأيته للمرة الأولى أننا   
  سنصبح أصدقاء!

  فهذا التدفق المدهش فى حب الحياة ،  
  ومعرفة كيف تكون نداً لها ، كان  
  مثيراً لدهشتى وفضولى ، مستفزاً  
  للإقتراب منه !
  كان بلون بشرته الخمرية و قسماته  الشديدة المصرية ، يقابلك بحفاوة و  
  مرح من يعرفك منذ عشرات السنين ! و هو لا يعطيك الفرصة لتنكر وجوده ، لذا  
  فهو يسارع بإقتحامك و الإستيلاء على قلاع تحفظك ، ثم ينشر جنود كلماته و 
  مرحه فى فضائك فلا تملك إلا أن تشهر فى وجهه رايتك البيضاء ، معلناًقبول 
  تلك الحميمية !
 
  إنه "مجدى البابلى "  ذلك المذيع النجم ، الذى متعه الله بوسامة نفسية و إنسانية 
  قبل أن تكون جسدية ، يمشى بخطوات تكاد لاتلمس الأرض ، تشعر من شدة رفع  
  قامته أن ظهره قد تقوس للخلف فى إباء و شمم و إعتزاز جدى بالنفس ، لا 
  يشوبه أى من غرور ! 

عـرفته فى البداية حين جمعنـا على شاشة القناة الخامسة - { تليفزيون الأسكندرية حالياً } - برنامجاً نقدياً ساخراً يطرح أفكاره فى قالب فكاهى بعنوان " موجة و شمسية " كان قالب البرنامج يعتمد على كسر المعتاد و المتوقع للجمهور فوجدته و هو ذلك المذيع الذى تخرج من مدرسة الإذاعة - الوقورة - متسماً بأهم مؤهلاتها فى صوته الرخيم العميق الذى يأتى من أغوار اليقين ليجلس إلى مشاهدى "الخامسة" كقارئ نشرة ينقل بآدائه و صوته جدية ما يقول ......... يقبل أن يجلس إلى نفس مكتب الأخبار ليقرأ نشرة فكاهية فى وسط شارع أبى قير بين زحام المارة و إلى جواره زميل آخر قارئ نشرة أتى من مدرسة الإذاعة أيضاً و هو " مجدى حسن " و حين ناقشته فى قلقى أن يمس ذلك مصداقيته لدى جمهوره أجابنى فى ثقة بأنه على إستعداد ليفعل أى شئ ليسعد الجمهور حتى لو فاجأه بعكس ما يتوقع فالصدق كل الصدق فى مس القلوب مهما كانت الوسيلة و مهما كان الثمن ! 
و كانت تلك الكلمات هى نقطة ولوجى لاكتشاف شخصيته الساحرة ! فهو شخص أثبتت الأيام و الأحداث بعد ذلك أنه يقـتات نفسياً من إسعاد الآخرين ، حباه الله تعالى بتلك النعمة المدهشة ، أن تتدفق السعادة إلى عروقه حين ينال من بؤس الآخر و يغـتال شجونه مطلقاً أهـازيج الفرح !


حكى لى أحد الأصدقاء عنه : أنه فى ذات يوم إستقل سيارة أجرة ( تاكسي ) ليعود به إلى المنزل - وناهيك عما كان ينقد به سائق ( التاكسى ) من مبالغ تفوق أضعاف أجره المعتاد - إلا أن "مجدى" أوقفه فى الطريق لإبتياع بعض البرتقال ، وبعد برهة عاد له بكيسين مملوئتين بنفس الكمية و من نفس النوع  فأعطاه كيساً واحتفظ بالآخر لنفسه !

أخذ "مجدى" منحناً جديداً فى حياته العمليه ، و هو تنفيذ الإعلانات التجارية ، وحرص على تنويع التعامل و التعاون مع مختلف الزملاء من "المصورين" ، إلى أن أتى اليوم ووجدته يطلبنى للعمل سوياً فى فيلم تسجيلى سيسوق فى إيطاليا للموبيليا المصرية ، و هنا ظهر جانب آخر من سمات "مجدى" الرائعة ، وهو حسه الفنى الراقى والرغبة الحقيقية فى الوصول للدقة و الكمال ، فقد فوجئت به - على غير ما عتدت مع غيره - يطلق لى العنان فى إستئجار ما أشاء من مصابيح و عدسات و أدوات ، فى سبيل الوصول بالعمل للمستوى الذى يعتمده الأوربيون من حيث جودة و نقاء الصورة ، كاسراًبذلك مبدأ التوفير بالميزانية لتحقيق الربح و ساعياً بشكل ما أو بآخر لإسعادى و إمتاعى بالتجربة و - بالطبع - إسعاد عميله بالنتيجة .


هو لا يجادلك فى التقنية ! و لا ينازعك فى فنك و اسلوبك فى العمل ، بل يتلمس طريقه للوصول للأفضل بالتعاون المطلق ! و للحقيقة فقد كان يضيف العديد من لمساته الساحرة ، النابعة من ذوقه الرفيع الذى تميز به دائماً و بقدرته - الشجاعة دائماً - على كسر و تجاوز المألوف ، تلك القدرة التى طالما تجلت حتى فى ملابسه الأنيقة التى تجابه كل ما هو كلاسيكى و معتاد لتصفعه بقوانين الموضة بثورة واثقة  فتراه مصصف الشعر ، لامع الحذاء ،  جرئ الألوان ، و قبل كل ذلك كيف يتناسق هذا الهندام مع روحه وحركاته وعفويته !

الحق أنى كنت أفخر به كواجه أنيقة للقناة الخامسة ، التى عشقت !

كنت أحمل الكاميرا لأشاركه برامجه و كان البشر يتدفق علينا من كل مكان لمجرد رؤيته و الحديث معه !

المراهقات يصرخن أحياناً من فرحة لقائه ، وكان هو مجاملاً ، رفيقاًبالمسنين إذا حدثهم ، لا يرد بكبر أو خيلاء على أى من كان ، حتى لو استفزه أو خرج معه عن قواعد الأدب !

ذات يوم ذهبت لأدعوه كى يحضر حفل خطبتى ، و انتظرت أن يقول لى - فقط - مبروك ! لكنه عاجلنى بإصراره ان يكون ورد السيارة و ( بوكيه ) العروس هدية منه لى ، و وقف بنفسه على تزيين السيارة واضعاً لمساته الخاصة عليها ثم أتى إلى الحفل و انصرف آخره - معى - ليتأكد أن كل شيىء على مايرام !

 
هو يأبى إلا أن يكون رسولاً للسعادة و العطاء .

كان بعد تصوير أى من أعمالنا الخاصة - التى تعددت بعد مرتها الأولى عدة مرات - يصطحب فريق العمل بأكمله للعشاء فى واحد من مطاعم الأسكندرية الفخمة لينهى شقاء يوم العمل الطويل بطعام فاخر و تسامر يزرع السعادة فى قلوب الجميع ! و الحقيقة أن هذا أيضاً - بالنسبة لأى ميزانية - كان خارجاً عن المألوف ! وفى أعمالى المستقلة عنه كنت ألتقى بالعديد ممن عملوا سابقاً معه فيحملونى له بأحر السلامات .

لم يكن " مجدى " جامعاً للمال ، لذا فقد تأخر كثيراً فى إنجاز أشياء ، أصبحت معتادة للأقرانه من حيث السن أوالمكانة ، كالزواج مثلاً أو حتى إقتناء سيارة ! لكنه فجأة قرر أن يستجيب للنصائح التى كان زملائه و أصدقائه يبثونها إلى سمعه ليل نهار بضرورة تكوين مبلغ من المال لضروريات المستقبل و الحياة .

تزوج" مجدى" من زميلة لنا - مخرجة -  تشاركه فى الكثير من صفاته لكنها بالتأكيد أكثر منه ضبطاً لإيقاع الحياة فاستبشرت خيراً لأنه كان يحتاج إلى مديراً مخلصاً  لا ليكبح تهور كرمه الزائد و لكن - فقط - ليوظفه !! 


إصطحب زوجته إلى بلدة خليجية و تمنى الجميع لهما التوفيق ....................!



 رحم الله " مجدى البابلى  " .




فقد فـوجئت بخبر وفاته فى غربته و تجمع كل من فى" الخامسـة" و افترشوا الأرض بصدمة و عدم تصديق ، طقوس و خطوات حالكة و مريرة لإسترداد جثمانه و رجوعه إلى أرض الوطن .......


ضربة عصفت بكل فؤاد أحبه .. و كل عين عشقت إبتسامته .


- جلست أفكر فى عبثية :

هل كان مثل هذا الرجل موجوداً فعلاً ؟ ! هل حدثته و شاركته العمل و الطعام ؟ ! السهر فى شوارع الأسكندرية حين ينام الناس ؟ !
 

مشـدوهاً  ذهبت إلى مسـجد " القـائد إبراهيم " - حملت مصحفاً إلى جوار صديقه الأثيـر  " مجدى حسن " و جلسنا إلى رأسـه نقرأ القرآن ، صلينـا عليه و كل أحبائه مـن أكبر الشخصيات تدعـو له بالرحمة و المغفرة .

كل هذا و أنا لا أزال أسال فى عبثية هل كان حقاً هذا الشخص موجود ؟ 

" فى ثقافتنا المصرية يسمى الشخص النبيل ، الجرئ ، المفعم بالحياة حين يموت شاباً إبن موت ! "

و كان " مجدى " بحق تجسيداً لهذا الشخص !

و أخيراً جاءتنى الإجابة على سؤالى 

حين خرجت على باب مسجد " القائد إبراهيم " فلفعتنى جحافل الناس المحتشدة لتودعه و هى تكبر بإخلاص و يقين ..
و حين شاهدت زميلاتى المذيعات من أراهم فى أبهى مظهر  و هم متشحين بالسواد أدركت أنه كان حقيقة  

لقد كان " مجدى " إنساناًموجودا بالفعل لكننا - حين الصدمات ننكر الحقيقة لنكبح وقعها ! ... همت ركبتى بالإنثناء لتخذل وقوفى ، لكن زميلى " حسن صابر " الذى كان بجوارى - يرتدى حذاؤه إستعداداً للخروج - أمسك بى فى عتاب و أعادنى واقفاً !



    " مجـدى "


لا أستطيع أن أنهى الحديث عنك بكل هذا الحزن ! فأنا بذلك أخونك !


لذا فأنا الآن أستحضرك أمامى و أنت تبتسم و أهدى لك الفاتحة ، لأنك رغم نهايتك الحزينة ستظل دائماً فى قلبى مرادفاً قوياً للسعــــادة ....


 
   

هناك 10 تعليقات:

  1. رحم الله البابلي كان صديقا و اخ و زميل عمل و انسان رائع ...و اعطاك الله يا شوربجي يا فنان الصحه و العافيه و الاجر علي تذكرنا للبابلي الجميل الذي رحل بالجسد و لكنه باق في ذاكره كل من تعامل معه ..فروحه باقيه في مكان عملنا و كل الاماكن التي كان يتواجد فيها و يكفيني النظر لمخرجتي العزيزه ايناس ندا زوجه البابلي لاتذكره في اعينها حتي الان .. فهي اخت قلبها كبير و حبها للبابلي يعلمني الوفااااااااااااء و الامل ان في القلوب لازال هناك خير ...رحمه الله عليه و اشكر كلماتك الرقيقه عنه و الفاتحه له ...

    ردحذف
  2. شكراًيا غادة وتحياتى وأمنياتى الطيبة لك وللأسرة الكريمة .

    ردحذف
  3. اشتغلت مع مجدي البابلي سنين و سنين ، أكثر من برنامج ، كوننا سويا دويتو أدعي أنه كان ناجحا بكل المقاييس. كنا نؤدي في أحد البرامج أداءا تمثيليا في بداية كل حلقه من برنامج "هو و هي" ، كان إعداد الزميلةإيمان العزازي (المخرجة الآن).كانت ايمان تكتب المشهد بدقة شديدة ، و تعطينا السكريبت قبلها على الأقل بيوم كامل حتى نستطيع أن نحفظه و نؤديه بنجاح....لكن هو مين؟ مجدي يحفظ الحوار؟؟؟ طبعا لأ..و انت يا شوربجي عارفني ، أنا ملتزمة جدا....و آجي اللوكيشن حافظه جاهزة و في موعدي....و ييجي هو في أكثر الأحوال في موعده و لكن أبدا لم يقرأ السكريبت....و أقعد أحفظه ....و نبدأ التصوير....و أقول الكلام اللي أنا ذاكرته....و طبعا هو يخترع أي كلام تاني يؤدي به المشهد علشان نخلص....و نعيد ...و نعيد ...و نعيد،لغاية ما اكتشفنا بعد عدة حلقات الحل السحري لهذه المشكلة. كنا بنقول له مثلا موعدنا الساعة 4 و يكون الموعد 6 ، و أقعد معاه أحفظه لغاية ما ييجي الموعد الحقيقي و نبدأ التصوير و يمر الأوردر بسلام.
    مجدي انسان جميل ، كريم ، طيب ، يحب الناس ، و يحبه الناس ، مسالم ، ضارب الدنيا طبنجه و مش فارق معاه أي حاجة ، أتصور و أتمنى و أدعو الله أن يكون من أهل الجنة . و على رأي المثل :"اللي ربنا يحبه يحبب فيه خلقه" و أنا مشفتش حد اجتمع على حبه كل الناس زي مجدي البابلي الله يرحمه.
    والله العظيم يا شوربجي ساعات باحس انه ممتش ، هو عايش فينا وفي قلوبنا و في القناه و في برامجه المسجلة و في ذاكرتنا و ذاكرة مشاهدين كتير جدا. الناس لسه فاكرينه لغاية دلوقت....سبحان الله ، له في كل شئ حكمه....لله ما أعطى و لله ما أخذ.....و طول ما احنا عايشين...هو عايش معانا. ربنا يغفر له و يسامحه و يمتعه أينما هو الآن زي ما متع كتير من المشاهدين و كل زمايله لما كان معانا.

    ردحذف
  4. شكراًيا أختى العزيزة , وتحياتى الخالصة لك وتمنياتى بالتوفيق الدائم لأنك تستحقى ذلك .

    ردحذف
  5. الله يرحمه رحمة واسعه ويدخله فسيح جناته.شكرا ياشوربجي علي هذا الوفاء للاصدقاء

    ردحذف
  6. الله يرحمه .. انا مجرد شخص كان بيشاهد برنامجه وانا طفل.. وتذكرته الان بدون سبب ... وعند بحثى عنه على صفحات الويب شاهدت مقالة حضرتك بالصدفه ... كلمات حضرتك معبره جدا و بتنبعث منها علامات الصدق و الاخوه و الصداقه الجميله ... ياريت كل الناس زى حضرتك ... انا سعيد جدا بأنى بعلق فى مدونة شخص مثلك .. واشكرك واشكر الاسامى الجميله المحترمه اللى اضافت تعليقات قبلى على نفس الموضوع واضافت لنا فى طفولتنا ذكريات جميله وابتسامات كثيره .. جزاك الله كل خير أ / محمد الشروربجى

    ردحذف
  7. رحم الله مجدي البابلي قابلته مرة واحدة وكان بيصور برنامج الجائزة لمين ف كليتنا الكلام ده كان من عشرين سنة لاحظت فيه ساعتها خفة الدم جميل كمان الوفاء لذكراه

    ردحذف
  8. رحم الله مجدي البابلي قابلته مرة واحدة وكان بيصور برنامج الجائزة لمين ف كليتنا الكلام ده كان من عشرين سنة لاحظت فيه ساعتها خفة الدم جميل كمان الوفاء لذكراه

    ردحذف
  9. الله يرحمه ويحسن إليه كان انسان خلوق قابلته وانا بصور معاه برنامج الجايزة لمين ومن ساعتها وأنا بحاول ألاقي الحلقات دي ومش لاقيها تقدر تساعدني؟

    ردحذف
  10. الله يرحمه و يغفرله . مش عارفة ليه افتكرته بعد السنين ديه و بحثت عنه في الويب

    ردحذف