الجمعة، 29 مارس 2019


 أغنيـــة
                               (  فاتـرينــــــــة )
                 كـــلمات : مـحمــــد الــشــــــوربـجــى

          فاترينة فاترينــة                 فاترينة فاترينــة
          فاترينة فاترينــة                 الــدنـيا فاترينــة

          صندوق من قزاز                جــواه أمـانيــــنا
          أحــلامنا العــزاز                 الغــاليــة عــلينا
          بايـــع أو شــارى                بتـمــن مـتــدارى
          فى ليلــة غـــربة                 وزحمــة مدينــة

          فاترينة فاترينــة                 فاترينة فاترينــة
          فاترينة فاترينــة                 الــدنـيا فاترينــة

         جــواها حـــكايات                 صعــبة وأليمــة
         يداريـها الســـكات                ويقــسى عـــلينا
         صـــبــر وفـــــوات               حـياة مم مــوات
         خــد قلــــبى وهات              حــــب يـداويــــنا

          فاترينة فاترينــة                 فاترينة فاترينــة
          فاترينة فاترينــة                 الــدنـيا فاترينــة

          فاترينــة بتطــفى                 فاترينـــة بتنـور
          فاترينــة بتصفى                 فاترينة تتكســــر
          والحــب متـــدفى                والقلــب متهـــور
          أصيــل متصـــفى                فـــوق مانتصـور

          فاترينة فاترينــة                 فاترينة فاترينــة
          فاترينة فاترينــة                 الــدنـيا فاترينــة

الثلاثاء، 21 أغسطس 2018

" سعـيد شيـمى " - " محمـد خـان " .... قصـة صداقة بطعـم السـينما .


                                                                           


- فى مطلع هذا الشهر ، وبالتحديد فى يـوم الخمـيس ، الثـانى مـن أغسطـس ، كــان لـى شـرف ، حضـورإفــتتاح معـــرض صــور( فى حـب سـينما محمد خــان ) والذى أقامه أســتاذى العـــزيز ، مدير التصوير الكبير / سعــيد شــيمى ...
والحقيقة أننى انشغلت عقب المعرض مباشرة ، ببعــض الإلتــزامات الخاصة بالعـمل ، وهــو ما أعاقنى عن الكتابة الفورية عـنه ، وإن كـنت أرى أننـى - رغــم ذلك - كـنت محظـوظاً للـغاية !
فنجاح المعرض بهـذا الشـكل الرائع ، ومد مدته إلى عـدة أيام أخـرى ، ثم الإتفاق على نقـله ، ليكون ضمــن فاعــليات مهـرجان الأسكــندرية الســينمائى الدولى القــادم ، كــل ذلك أحـى - مـرة أخـرى - فـرصتى فى الكتابة عــنه ، وعـن اللحـظات الساحـرة ، التـى قضيتها أمام لوحاته ، العامرة بالذكريات والشخصيات ، والموثقة للحظات أبداع محمـد خان ، والتحامه بتنفيذ أعماله ، التى تمثل جزءاً هاماً من وجداننا السينمائى .
فـى الصـور ، يمكـنك - بمجـرد التأمــل - أن تخــرج بمـئات الإنطـباعات والمعلـومات ، ستدهشك ما تخبرك به إنفعالات خان المختلفة ، وقت تصـوير أفـلامه ، ستلمح الترقب تارة ، وتلمح إبتسامة الثقة تارة أخرى ، سترى من عاصـروه وعاونـوه عـلى تحقيـق أفكاره ، وتحويلها إلى أعمال حية ، تفيض بالموهبة والتدفق الخاص .
سـترى أنـواع الكاميرات والمعـدات التى استخدمها ، وستسترجع فى ذهنك رغـماً عـنك شيئاً مـن مشاهـد الأفـلام  ، حـين تتمكن من ربط ماتراه أمامك من صـور ، بما تختـزنه داخلك من ذكريات عنها ...
لكنى أجـزم وأوأكـد أن هـذا المعـرض كان سيفقـد تمـام  قيمـته ، لولا حضور صاحبه ، القامـة السـينمائية الكبـيـرة / سعـيد شيـمى ! ... فحضـورالأسـتاذ / سعــيد ، وتواصـله الشخصى مـع رواد المعـرض بالحكى والتفسـير والربـط ، أعطى لصور المعرض عمقاً وبعداً آخـر ، لم يكن ليتحق بدونه ، كما أنه أضفى صدقاً ودفئاً إنسانياً بالغاً ، بما أرساه ضمنياً فى هذا المعرض من معان للصداقة الحقة والوفاء النبيل ، لصـديق عمـره محمد خـان ، معطـياً خــلاله ، درسـاً للأجـيال القادمـة مـن السـينمائيين ، ليعلمـوا أن السـينما ليسـت مهنـة مجـردة ، بل مهـنة تقـوم على التناغـم والتعاون بين صناعـها ، والتداخـل الذهنى والوجدانى فيما بينهم ؛ وأثناء شرح الصور ، كنت أرى الأسـتاذ / سعـيد ، يؤكد على هـذه القـيم ، ويوثق بالكلـمات سـمات أبناء جـيله ، من صـناع السينما المصـرية ، العظام ، وما جمع بينهم من روابط فكرية و صداقات عميقة .

الأستاذ / سعيد شيمى ، يشرح للمخرج خالد جلال  ماوراء صور محمد خان من حكايات 

وبشكل شخصى فقد أستفـدت كثيراً واستمتعت بشـروح الأسـتاذ / سعـيد شـيمى ، بل أن تلك الشروح ، قد حلت لى لغزاً ، طالما شغلنى !
فأثناء المـرور بيـن الصـور ، توقـف الأستاذ / سعـيد ، ودلل عـلى مـدى الإيثار ووحـدة الغايـة بيـن أبـناء جـيله ، بـما فعـله محمـد خـان ، حــين أهــدى فكــرة فــيلم ( ســـواق الأوتوبيس ) لأصدقائه ، عاطف الطيب و بشير الديك ، ليكون فيلماً مـن أهـم أفلامهم و أميزها ... أما اللغز فقد كان فى الشعور الذى انتابنى منذ سنوات بعيدة ، حـين شاهـدت فيلم محمد خـان ( فـارس المديـنة ) ، حيـث أحسسـت وقـتها ، أن هـناك تشابـهاً كبـيـراً بين فكرته وفكرة فيلم ( سواق الأوتوبيس ) ، فكلاهما يتحدث عن البطل الفـرد النبـيل ، فى مواجهة زيف المجتمع ! كلاهما يتحدث عن ، مأزق مادى يقـع فيه البطل ، ويسـعى جاهداً للإستعانة بمساعـدة ذويه ومعارفه ، لكنه يواجـه بالاستـنكار والتنصـل ، ليصبـح وحيداً فى مواجهة مأساته !
وعلى هذا فقد فسر لى كلام الأستاذ / سعيد شيمى ، هذا اللغز ، وجعلنى أفهم أن مصدر الفكرتين كان واحداً ، وعـلى ما يبدو أن تلك الفكـرة ، كانت تؤرق المخـرج محمد خـان بشكل شخصى ، ولم تهدأ إلا حين خرجت مرة أخرى ، فى معالجة درامية أخرى ، وكنا كمشاهدين محظوظين فى ذلك ، بكل تأكيد !
معـرض صـور ( فى حب سينما محـمد خـان ) ، كان مناسبة خاصة ، فـريدة وسعـيدة ، وهو يسن سنة رائعة ، يجـب أن تتكـرر كثيـراً بعـد ذلك ، فنرى مثيلاً له ، عـن عاطـف الطيب ، وعن يوسف شاهين ، وعن صلاح أبو سيف ، وغيرهم !
يجب أن تخرج صور هؤلاء من مكمنها ، بين الألبومات الخاصـة للفانين والسينمائين ، ويحتشد الجميع من وقت لآخر لجمعها وترتيبها وربطها الصحيح بأزمنتها ، ثم إتاحتها للعـرض العـام ، كـما فعــل الأسـتاذ / سعـيد شيـمى ... مثـل هــذه الصـور لا مكـان لـها سـوى تلك المعارض ، وإلا فستموت مع الوقت ، وتفقد قيمتها !
تلك الصور أداة رائعة وضرورية للتوثيق و الإثبات ونشر الثقافة السينمائية !
وكـم مـن مـرات ، أفجـعـنى أن أسمـع عــن ألبــومات ومقـتنيات ، تخلـص مـنها ورثـة السـينمائيين ، بعد وفاتهم ، حيـن جهلـوا قيمتها وما يمكن أن تحققه من تأثير ، إذا ما أتيـح لها العـرض والولوج إلى ذاكـرة و أذهان الناس !
شكـراً للأسـتاذ / سعـيد شيـمى .... لقــد صنـع بالفعــل حــدثاً مهــماً ، ذو قيمـة كبيـرة ومحتـرمة ، ليس على المستوى المباشر فقط ، بل وعلى مستوى الفكـرة أيضاً .  


الفنان والسينمائى الكبير / سعيد شيمى ، وبصحبته كاتب المقال ، الفنان / محمد الشوربجى .

   

الثلاثاء، 7 نوفمبر 2017

جلسة على مقهى الخجل


                        .. جلسة على مقهى الخجل ..

                                       قصة قصيرة .... لمحمد الشوربجى 

نصحنى قبل الذهاب قائلاً :
- فى مقهى الخجل ... تسطيع أن تتخذ مكانك بهدوء ... لن يجبرك أحد على فعل شيئاً ما ، قد يتنافى مع قناعاتك !
فقط غض بصرك حين تدلف تلك الراقصة الفاتنة إلى ساحة المقهى لترقص حافية وتتمايل هنا و هناك مع إيقاع طبالها الماهر !
لا تتفرس فى وجهها أو تفاصيل جسدها  ولا تحاول أن تسجل بداخلك بصمة عرقها الفريد !
تستطيع أيضاً أن تشرب الشاى ... ربما أيضاً اليانسون ... دون أن يستنكر أحداً ما تفعل !
أو يجبرك على رشفة معتقة  من نبيذ المقهى الشهير !
تناول سجائرك و انفث دخانها إلى الهواء براحة و تنعم ... و لا تلقى بالاً لتلك الرائحة الواردة بكثافة من أحد الأركان مختلطة بدخانها الأزرق !
لا تحاول -  أيضاً - أن تخرج ببصرك خارج حدود المقهى  فتبحلق لأحد من أهال ذلك الحى الشعبى  !
هم فقط .. من يحق لهم البحلقة و المشاهدة بل و المراقبة أيضا ! .... بعضهم يطل من شرفات قديمة و البعض رابض على كراسى متهالكة و هو يبتلع دخان سجائره برشفات الشاى المصنوع خارج المقهى !
هؤلاء المشاهدون .... تضج وجوههم بالأسئلة ... و الأسئلة تحتاج لأجوبة ... و الأجوبة تجلب الشرور والتعاسة !!!
 داخل المقهى ... أنت فى أمان تام ...
وسيمر عليك صاحب المقهى - بنفسه - من آن إلى آخر ليربت على كتفك بيده الغليظة مطمئننا إياك فى حنان بالغ ... فقط - حينها - لا تجرحه و تحاول أن تتأمل وشم الذئب ، المرصع بزرقته لجلد يده !
في هذا المكان لا يستطيع أن ينال منك أحد !
أنت أيضا لا تفكر فى النيل من أحد !
فللمكان رجلا أشداء !
ستنشق تلك الجدران عنهم فجأة وسيفرضوا الأمن فرضاً ... بقوة وبحزم !
فقط كن دائماً عند حسن ظن قوانين المقهى ... استمتع .....
لكن لا تنسى ممارسة الخجل !
على باب المقهى .. توقفت متردداً فى الدخول ... فقد نسيت أن أسأله :
عن أى نوع من الخجل كان يتحدث ؟!

                                                


الخميس، 3 أغسطس 2017

الإتفاق .

                                          الإتفاق

                                        قصة قصيرة 




حين اكتملت اللوحة ، نهض كل منهما من مكانه وراح يتأملها بانتصار !

وضع كل منهما إحدى يديه على إطارها ، بشيىء من إعلان التبعية والإستحواذ !

نظراإلى بعضهما البعض بابتسام وتودد ، كما لو كان كل منهما يهنىء الآخر على إتمام التعاون !

فأحدهما الرسام  ، والآخر هو المرسوم !

فجأة ..! ذابت الإبتسامة ... وتنبه كل منهما بخطر - ما - وشيك !

ولا شعورياً .... دس كل منهما يده مسرعاً فى جيبه وأخرج كتلة مكتنزة من

 النقود ، ثم قدمها فى لهفة إلى الآخر وهو ينظر للوحة الرائعة بظفر الفوز ...

لكن الوقت طال ...

واليدان معلقتان فى الهواء بعبثية !

قصرياً ... عاود كل منهما النظر للآخر ...

شردا فى تفكير !

كان كل منها يعلم أن أحدهما -  فقط  - هو فى النهاية من سيملك اللوحة ...

 فهذا يؤكده اتفاق !

لكن ترى .... على ماذا كان ينص  .... الإتفاق ؟!!!
         

الجمعة، 28 يوليو 2017

أنا العمود


                       أنا العمود
                       قصة قصيرة  ... ل محمد الشوربجى


أنا عمود إنارة ... طاعن فى السن ...
ولولا أنى مغروس فى مفترق طرق لأبدلونى منذ زمن !!!
ستندهش وتقول لى :  وما علاقة هذا بذاك ؟!
وسأندهش بدورى وأنا أجيبك باستنكار:
كيف لاتجد علاقة وقد قلت لك ، أنى مغروس فى مفترق طرق ؟!
ياصديقى فى مفترق الطرق الكل ينكرك ... يتنصل منك ... ويسقطك من مسئوليته !!
لكل طريق بلدية ... 
والبلدية لاترى سوى شارعها فقط ولا تتجاوز ذلك لما يشترك بينها وبين باقى البلديات !
لكن الجميل فى الأمر ... أن ذاك ما كتب لى الحياة !!!
فلم تهرع لى يد  قط لتستبدلنى أو حتى تزيل بهاء السنين عن جسدى بألوان وطلائات ...
ظللت عبر سنين طويلة ... محتفظاً بفضية لونى بين تلك الألوان الحديثة  ، عديمة الذوق !
ومن آن لآخر يعطف على أحدهم ويغير مصباحى ... لا من باب الواجب ولكن من باب المن والمزايدة !
والحقيقة أنه  ، عبر سنوات عمرى ... كان يشغلنى سؤالاً هاماً...سؤالاً مخيفاً !
ترى ؟  كيف ستكون نهايتى ؟!!!
هل سيجتثونى يوما ما كباقى أحبائى ؟!
أم سنتقض - ذات مساء -  سيارة غاشمة ، يقودها شاب مخمور , فتطير فى الهواء ولا تسقط إلا وقد قصمتنى كعود حطب أصابه السوس !!!
وذات مساء جاءتنى الإجابة ...!
فقد اجتثونى أخيرا !!!
لكن الغريب أن اجتثاثى لم يكن لصالح عمود آخر ، عمود حديث !
إنما كان لصالح لوحة انتخابية ... تحفز لانتخاب لص قديم !!!
هاهاها ... ستندهش مرة أخرى أليس كذلك ؟!
ستسألنى ..... وكيف تركوه يفعل ذلك ؟!!
أو لست مالاً عاماً ؟!
وهنا سأعاود مرة أخرى -  بدورى - للاستنكار وأجيبك : ألم أقل لك ياصديقى ، أنى ... كنت ... مغروساً فى مفترق الطرق  ؟!!!


الخميس، 27 أبريل 2017

العالم المسحور ...


الفنانون ، مواطنون فى عالم مسحور !
عالم خاص ، لا مكان فيه للحقيقة ! ولا مكان فيه لأرض !
فكيف يحتاج لأرض من كان هدفه سمو ، وطبعه التحليق ، ونظرته للأشياء هى نظرة عين طائر ، مجردة !
ولهذا الوطن جنسية وجواز سفر ، سرى ، غير مرئى ، لأن طبيعة الفنان كطبيعة عميل المخابرات !
جاسوس من الدرجة الأولى ! ...
يرصد ردود أفعال البشر والكائنات والأشياء ، يجمع المعلومات وينسقها ،مستتراً بالتخفى كشبح ، لايريد أن يرصد بدوره أو يكشف مهمته أحد ، فيفسدها ، ويسرب له معلومات زائفة أو مضللة !!!
والفنان بطبعه سافل ، نزق !
لايرضى سوى برؤيته الخاصة لما جمعه من مشاهدات وثقافات و خيوط الحقيقة !
لذا فهو محرف ، منحرف !
كاذب لدرجة عالية من الصدق المبهر !
قاس فى فرض توجهه وأيدولوجيته و إحساسه !
وإذا حاكمته ، فسيفلت من وراء قضبانك ، فى التو واللحظة ، لأن ورقة براءته ، يحملها دائما فى جيبه !
مكتوب فيها أن ما يقدمه ليس سوى فن !
هو عابر للقارات وللزمن !
عابر للعلوم والشهادات !
عابر للتقييم والمظهر !
فقد تراه مترفاً كملك ... أو شريداً عربيداً ، يتسكع فى الطرقات !
تراه يعزف فى الأوبرا ، أو على رصيف مترو !
يرسم مايرصع جدران المتاحف ، وما يشوه جدران الشوارع !
وهو كبنى الأرض ... يكتئب ... ينهار ... يصرخ ... يشتم !
لكنه لا يفقد أبداً - مهما أدعى - هويته !
فكيف تفقد هوية ....
هى من أعظم عطايا الله !

الخميس، 26 أبريل 2012

اسمه : محسن أحمد .

د." محسن أحمد " مع إحدى جوائزه المتعددة .
   اسمه : محـسن أحـمد

ـ لنتفق أولاً قبل فى الحديث !
 لست هنا بصدد كتابة مقال نقدى ! . . فأنا هنا سأتحدث من وجهة نظر ذاتية عن علاقة تلميذ بأستاذ ، و هو ما لا يتسق أبداًمع طبيعة النقد ، فالعكس هو المفروض ! أن ينتقد الأستاذ تلميذه و يقيم عمله !
أيضاًسأمنح نفسى حق الإنطلاق من واقع الإعجاب و التأمل ، فى عالم فنان ، أطلق فنه - بمحض إراته الحرة - إلى عامة الناس ، و بالتالى منحهم - ضمنياً - حق الإبحار و التجول فى أرجاءه و سماته شأن كل متذوق و عادة كل مريد !

- بدأت علاقتى منذ زمن بعيد بمدير التصوير السينمائى الكبير / " محسن أحمد "( علاقة غير مرئية ، من طرف واحد ! ) - كنت لا أزال تلميذاً صغيراً ، مهتماً بالتصوير و السينما و صادف أن شاهدت إحدى حلقات برنامج " زوم " لسلمى الشماع و كانت الحلقة عن ( كواليس ) فيلم " البداية " الذى عاد به علم الواقعية المصرية " صلاح أبوسيف " مرة أخرى للإخراج بعد غيبة طويلة ، و فى البرنامج تطرق الحديث إلى مدير تصوير الفيلم الشاب "  محسن أحمد " ومـدى ثقة " صـلاح أبو سيف " فى ملكاته و قدراته للدرجة التى جعلته ينحى الكثير من مديرى التصوير الكبار - ذوى الأسماء اللامعة فى هذا الوقت - ليستعين بذلك الواعد الذى شارك ابنه المخرج " محمد أبو سيف " تصوير العديد من الإعلانات التجارية لا فتاً نظره إليه بحسه و قوة مهاراته .
- و الحق - من و جهة نظرى - أن التزاوج بين جيل " صلاح أبو سيف " الكلاسيكى ، المتمسك بالأصول والقواعد حتى النخاع ، وجيل " محسن أحمد " المتبرعم فى أحضان " الواقعية الجديدة " بما ابتدعته من ثورة على المألوف و ثورة على كل القوالب و القواعد ، الحق أنه كان تزاوجاً غريباً ملفتاً للنظر !

لقطات متعددة من فيلم "  البداية " .

لكن كلمة السر فى هذا التزاوج كانت هى نوع الفيلم فى حد ذاته ! ففيلم " البداية " كان فى واقع الحال بمثابة ضربة فنية جديدة ترسى ل " فنتازيا " مصرية ، ذات صلة وطيدة ب " فنتازيا " الإيطالى الشهير " فريديريكو فللينى " !
لقد أراد " صلاح أبو سيف " - المحنك - أن يتناول ( إكسير الحياة السينمائى ) و يعود إلى ميدان الإبداع - شاباً- بسينما جديدة و فكر بكر ، يطوى صفحة من الإنجاز الفنى لصالح التجديد ، وكان سفيره إلى ذلك العالم و تلك الأرض  - بلا شك - هو " محسن أحمد "

- شاهدت " محسن أحمد " و هو يحتضن الكاميرا بتمكن و وجه مكتس بالجدية و الإخلاص و هو ما جعلنى أتوق بكل شوق لأشاهد - ذات يوم - ما صوره بكل هذه الجدية !

لكن الفيلم لم يتاح لى - مع الأسف -  في إحدى سينيمات مدينتى ( المحلة الكبرى ) !

- ثم مرة أخرى ، تقع فى يدى جريدة " الأهـرام " فأجد فى صفحتها الأخيرة صورة ل " محسن أحمد " و قد انكمش داخل حقيبة سيارة و فى يده كاميرته السينمائية ، ليصور إحدى اللقطات !
د. " محسن أحمد " يصور إحدى لقطات فيلم " المطارد " و بجواره مخرج الفيلم  د . " سمير سيف " .

تحت الصورة كانت العبارات تصف جراءته ومغامرته و استعداده فى تجاوز كل الصعوبات من أجل خروج لقطاته كما ينبغى أن تكون ! .... حتى لو عرضه ذلك للخطر أو الإصابة !

- كنت فى هذا الوقت هاوياً للتصوير " الفوتوغرافى " و كان عالم التصوير المتحرك يجذبنى كثيراً ، فلم تكن فى هذا الوقت كاميرات " الفيديو " قد انتشرت كما هى الآن  و لا أصحبت فى أيدى الجميع ، قابعة داخل هواتفهم النقالة !

رحت - فى مراهقة - أحاول أن أنثنى داخل أركان المنزل ، و أضع الكاميرا الفوتوغرافية على عينى لأطالع ما يمكن أن تراه من تلك الزوايا الغريبة ! و ربما أتابع أحد أفراد أسرتى و أعطيه بعضاً من الأوامر الإخراجية - التى أعلم مسبقاً أنه بالقطع لن يستجيب لها !

فتنت ! فتنت بالكاميرا و المصور السينمائى ، الذى نادراً ما يتحدث عنه أحد ، على الرغم من أنه المهنى الأول فى هذا الفن !
فـإذا سـألت التـاريخ عـن بدايـات السـينما سـيجيبك بأن كل رواد البداية ، مثـل " لـويـس داجيـيـر " و " الأخـوان لـومـيير " كانوا فى الأصل مصوريين !
لقد ألهبت أخبار " محسن أحمد " خيالى ، فهذا ما أتوق إليه ! أن أحتضن تلك الساحرة المسماة بالكاميرا - صندوق أسرار الفيلم السينمائى الذى يجمع رحيق إبداع المخرج و مهندس الديكور و المؤلف و نجوم التمثيل و كذلك الفنى و العامل ، ثم يقف عليه شخص واحد أميناً و حارساً ، يحمل فى صدره مفاتيح شفراته و تلمع فى عينه إنعكاس ما يحويه ، و تجد أنامله دائماً منه رضا الإستجابة و الإذعان - هكذا هو المصور السينمائى ، أمين صندوق السحر و الإبداع ، مؤتمن الأسرار ، و سادن هذا الفن الرفيع !
د . " محسن أحمد " يدير تصوير فيلم "  المطارد " و الصورة من تصوير النجم "  نور الشريف ".
- مرت الأيام و استجاب " الله " تعالى لدعائى فتحققت أسمى أمانى حياتى ، و هى الإلتحاق بالمعهد العالى للسينما .
و فى اليوم الأول داخل المعهد التقى بدفعتى العميد " د . مصطفى محمد على " رحمه الله " و الذى كان بالمصادفة أيضاً أستاذاً للتصوير ! كان اللقاء داخل قاعة عرض " 35 " و المخصصة لعرض الأفلام من مقاس " 35 ملم " ، و ياللعجب فقد كان أول فيــلم يعرض لنا داخـل هذه القـاعة - بعد حديث العميد لنا مباشـرة - هو فيــلم " البداية " !
و كم كان الفيلم رائعاً متدفقاً ! أخيراً تحقق لى أن أشاهد هذا الفيلم و كأن القدر يحقق لى كل ما اتمناه تباعاً !

- كانت الحياة فى معهد السينما بالنسبة لى كالحياة فى " العالم المسحور" ، فأنت تنهل من آن لآخر من نهر ما تحب و ترى نجوماً فى فن عشقته يحدثوك و تحدثهم ، تسألـــــهم و يجيبوك ، و لا يجدوا مانعاً فى الجلوس معك أحياناً على درجات السلم أو على مقاعد الكافيتيريا ليشرحوا لك ما تريد !
 لم تكن درجاتهم العلمية تكبح تدفقهم الإنسانى أو تعرقل لديهم حرية التصرف كفنانين فى الأساس ! لذا فقد سارعت بالإنقضاض على أى أستاذ أو أى فنان لإقتحام صناديق كنوزه ، محاولاً احتراز أكبر عدد من المعلومات و الحصول على إجابات على كل مايجول بخاطرى من أسئلة ملحة !

و فجأة وجدت أحدهم يخبر آخر أن " محسن أحمد " موجود بالدور العلوى ، داخل قسم " التصوير " !
( محسن أحمد يا جدعان ) !  ............................ ( موجود ) !  .......
هو كائن بشرى إذاً يمكن رؤيته و الحديث معه ؟! 
شحذت أفكارى فى ثوان معدودة ! أعددت سيلاً من أسئلة الإقتحام ، و شهرت على وجهى قنـاع  الفضول ، ثم أطلقت لأقدامى عنان الركض على سلم المعهد مجتازاً الأدوار و المسافات ، حتى و صلت لبلاتوه قسم التصوير!
 دلفت بحذر و انبهار لأجد مجموعة من طلبة " البكالوريوس " و هم يقفـون ليؤدوا تدريباً فى الإضـاءة ، و ياللهول ! فقد وجدت المصور الكبير الأستاذ " وحيد فريد "

صورة نادرة  للأستاذ / وحيد فريد ، حصلت عليها بصعوبة بالغة لعدم وجود صور له على الإنترنت ، تقريباً!

كان " وحيد فريد " واقفاً بكبريائه المعهود ، و قد أمسك فى يمناه كوباً من الشاى و إلى جواره يقف ضالتى المنشودة " محسن أحمد " .
كان الحديث بينهما ودياً و لفت نظرى ذلك الإحترام البالغ و الأدب الجـم الذى يتحـدث بـه " محسن أحمد " إليه .
و الحق يقال ، أنى لم أكن مهتماً إطلاقاً ب " وحيد فريد " و لا بتاريخه المجيد ، الذى لا ينكره أى مصور سينمائى مصرى او عربى !
إنما كنت مهتماً بذلك الرجل الذى ورطنى فى حبه وعشق عمله !
كنت أشعر أن بينى و بين " محسن أحمد " تعاقد ما - قديم - على لقاء ما حتمى ، وها هو اللقاء يحدث و عليه أن يفى بدين الحب و التقدير الذى يحتله فى وجدانى ، بأن يجيب على أسئلتى و يحتفى بى !
و باغته بمزيد من الثقة لأفتتح الحديث بأن أشرت إلى أحد المصابيح المستخدمة فى إضاءة التدريب و سألت :
- من فضلك هو الكشاف ده كام كيلو يا أستاذ ؟
و هنا توقفت عجلة الكون عن الدوران !.... و أكتسى المكان بالصمت !.... و لمحت نظرات السخرية فى وجه زملاء الفرقة الرابعة ، و قد أدركوا ما سيحدث لى بعد قليل !
لقد نظر لى " وحيد فريد " رحمه الله ، كما ينظر ساكن أقصى أدوار - " برج العرب بدبى " - إلى طفل صغير ، يقف فى الشارع لينشد منه قطعة من الحلوى ! ثم تحرك " محسن أحمد " ونظر لى بوجه تكسوه الجدية :
- انت مين ؟!
فأجبت : أنا " محمد الشوربجى " طالب بسنة أولى تصوير !
رفع " وحيد فريد " بصره من على و ارتشف بعضاً من شايه وكأن الأمر لايعنيه ! بينما هدأت حدة الجدية على وجه " محسن أحمد " و هو يقول :
- أيوه ، طيب يا " محمد " و إيه اللى طلعك هنا ؟!
و قبل أن أجيب ، أردف قائلاً :
- لسه بدرى قوى عليك لما تطلع هنا ! يللا اتفضل إرجع مكانك !
 لم أدرى - بعد ذلك - كيف قطعت سلالم الهبوط إلى فناء " المعهد " السفلى ؟!
كنت مندهشاً ، مصدوماً ، عقلى يعمل بسرعة جاهداً لمحاولة إحتواء خجلى و البحث عن مبرر لرده الفعل تلك ، الغير متوقعة !
ألا يعرف هذا الرجل أننى قد دخلت إلى هذا المكان و أنا " الأول " على كل المتقدمين للقسم ؟! بعد إجتياز ثلاثة إختبارات صعبة ، بدون " واسطة " !
ألا يعلم أننى قبل سنة من دخولى المعهد أشتركت فى مسابقة للتصوير الفوتوغرافى ، على مستوى الجمهورية ، و كان ترتيبى فيها هو أيضاً " الأول " ؟!
ثم ماذا فعلت ؟! ... لقد فعلت ذلك مع أساتذة آخرين - كثر - و لم يصدنى أحدهم بذلك الحائط الفولاذى من قبل ؟!
حسناًعلى أن أعيد ترتيب أوراقى و أن أبتعد عنه ، و أتجنبه إذا رأيته بعد ذلك ! لأحافظ على ما تبقى لى من كبرياء !
مرت الأيام و اجتهدت و احتفظت لنفسى بلقب " الأول " على قسم التصوير ، و فى السنة الثالثة ، اختلفت مـع أحد المعيدين حـول موضوع ما ، و توجهت لمكتب العميـد لأحـتج لديه ممـا حـدث ... كـان " محسـن أحمـد " واقفاً ، و فـوجئت به يتدخـل فى الحـوار و هـو ينظر لى بشىء مـن التضامن و المناصرة !
سحبنى من يدى بعد أن تكفل أمام العميد د . " شوقى على " بحل المشكلة !

.
د . " محسن أحمد " يقوم بعملية القياس الضوئى و إبداع النسب بين مصادر الإضاءة ، و هو عمل بالغ الإحترافية تتجلى فيه الخبرة الفنية و العملية .

ذهبت مع " محسن أحمد " إلى حديقة المعهد فوجدت إنساناً غير ما صدمت به بالأمس !
أنصت لى جيداً ، ثم تحدث بلباقة و دماثة فحكى لى عن تجاربه الإنسانية فى التعامل ، و أقنعنى أن ما أتصوره من ظلم قد وقع لى ، هو مجرد شىء عادى وارد الحدوث ، لا ينبغى الإنغلاق ذهنياً امامه !
و أمام هذا التدفق الإنسانى - من شخص لم أستطيع منع إستدعاء إعجابى القديم به - 
تقبلت النصحية ، خاصة و أن جائزتى عن ذلك كانت حاضرة ، و هى بداية ود و معرفة حقيقية بينى و بين هذا الرجل ، الذى أقدره !
بعد ذلك ، كشف لى القدر السر ، حين تناقشت مع أحد الأساتذة - فى وقت فراغ - و ذكرت ما حدث بينى و بين " محسن أحمد " فى اللقاء الأول ، فقد فسر لى ذلك الأستاذ ، أن ما حدث كان تصرفاً صحيحاً فعله " محسن أحمد " معى ليمنع آفة كبرى تصيب من يتعلم أحد فنون السينما ، ألا و هى آفة كسر التسلسل فى ترتيب تلقى المعلومات !
فعلوم السينما و بخاصة التصوير ، علوم مبنية على تسلسل خاص - تراكمى - فى المعرفة ! و لا تطلب لمن يعرف فيه ، أن يجيبك باقتضاب عن معلومات مجردة ، لأنه بذلك سيحشو رأسك بالتشوهات لا بالمعلومات !
إذاً كان " محسن أحمد " محقاً ! و ربما مخلصاً لى أكثر من نفسى !
لم يقصد نهرى ، بل تنظيم حركة إستيعابى ! و هو ما أكدته الأيام بعد ذلك ، حين وقفت معه فى شرفة المعهد ، ذات صباح شتوى مشمس ، ليشرح لى كيف أنجز مشاهد و لقطات الفجر فى فيلمه الرائع ، الحدث " الكيت كات " و كيف حافظ لى تسلسل المونتاجية ( Matching ) فى هذه المشاهد لوناً و تشكيلاً ، كما شرح لى العديد من خبايا التعبيرالدرامى بالضوء ، و هو ما درسته بعد ذلك تفصيلاً تحت اسم ( المعادل التشكيلى المرئى فى الصورة السينمائية ) .
أكتشفت بعد ذلك أن " محسن أحمد " شخصاً رائعاً بالفعل ، فقد رصدت تبنيه للعديد من الزملاء ، يعاون هذا فى مشروع تخرجه ، و ينصح هذا فى صياغة الأفكار ، و أتى يوم قمت فيه باخراج أول فيلم قصير لى ، و دعوته لمشاهدته فى غرفة المونتاج ، و لبى على الفور الدعوة ، و الحق يقال أنه نصحنى نصائح قيمة ، جعلتنى أقرأ بعدها كثيراً فى فن إدارة الممثل و طرق توجيهه نفسياً و تقنياً ، بل وأتسلل لحضور محاضرات " جلال الشرقاوى " بالمعهد العالى للفنون المسرحية بهذا الخصوص !
هذا بالإضافة إلى نصيحته التى لا أزال أضعها نصب عينى عند إضاءة أى من أعمالى
واستخدام جلاتين التلوين به ! فقد قال لى / أن أساس و مهارة المصور تكمن فى قدرته على الرسم بالنور الأبيض العادى ، أما استخدام الجلاتين فلابد و أن تحكمه ضوابط صارمة ، هى ضوابط التعبيير بالألوان و محاكاة تأثير المصادر ، و على الحذر من الإفراط فى استخدامه مستقبلاً ، حتى لايتحول الأمرإلى تعبير سطحى ينطوى على مراهقة فنية !
لقد دفعنى ذلك ايضاً للتبحر فى القراءة عن الألوان ببحرها الكبير و سيكلوجياتها المتعددة التى أكتشفت أنها لا تتنوع فقط بتنوع الدراما بل تتنوع أيضاًبتنوع ثقافات الشعوب و ظروفهم المعيشية بل و الدينية أيضاً !


د . "  محسن أحمد " يحتضن معشوقته "  الكاميرا " فى أحد أفلامه .
 واصل " محسن أحمد " الإبداع وواصلت الرصد !
لفت نظرى أنه يشارك متبرعاً بأجره لينجح التجربة الأولى لصديقه " سعيد حامد " فى فيلم " الحب فى التلاجة " ، الذى كا أيضاً تجربة فى " الفانتازيا " !
اندهشت من بساطة وعفوية التعبير فى فيلم " الأراجوز " ، و انبهرت بجهاز قياس الضوء الرقمى الذى سارع باقتناءه فى وقت مبكر ليدعم عمله بتكنولوجيا الجديد !

- تخرجت فى " معهد السينما " ، و عملت بالقناة الخامسة فى الأسكندرية ، و أثناء تغطيتى لمهرجان الأسكندرية السينمائى ، قابلنى " محسن أحمد " و جاملنى بأنه يسمع أخباراً جيدة عن عملى و آدائى ، و لكـن لفت نظرى شىء غريب ! لقـد فـوجئت بهـذا المصـور العبقـرى يحمـل بيـن يديـه كـاميـرا       " فوتوغرافيا " - لم تفارقه فى أيام المهرجان - بل ـ و وجدته ينطلق من آن لآخر ليقتنص غروباً ما على الشاطىء أو تكويناً صخرياً أعجبه !
هو إذاً لايتردد أبداً فى تلبيه نداء الهواية ، تلك التى تتصارع دائماًمع الإحتراف فى قلب المتخصص ، فإذا انتصرت أضاعته ، أما إذا تصالحت معه فتأكد أنك ستجد فى النهاية نموذجاً كمحسن أحمد ، لايكل ولا يمل من التجريب و محاولة طرق عوالم المجهول !
شاهد أفلام " محسن أحمد " و سترى أنه قد تجاوز مرحلة الإسلوب - التى يسعى  كل مصور ليرسى على شاطئها - إلى مرحلة خدمة الأفكار !
هو مخلص لدراما فيلمه أكثر من إخلاصه لإسلوبه !
و هو على استعداد دائم للتجريب والتعامل مع كل فيلم على أنه أول فيلم !

- لقد دعته " القناة الخامسة " كضيف ذات مرة ، و انبريت لتصوير اللقاء معه فى " نادى الصيد " بالأنفوشى .
لم يحاول إطلاقاًالتدخل فى عملى أو توجيهى بأى ملاحظة ، بل كان مثالاً يحتذى به فى التواضع و الرقى ، و عندما انتهى التصوير معه ، شرعت كالعـادة فى تصـوير مقـدمة و نهـاية الحـلقة لمذيعـة البرنامـج ، و كنوع منى فى اقتحام تحفظه ومعرفة رأيه فى عملى ، طلبت مشورته فى شىء أعرفه على وجه التأكيد !
و وجدته و قد انبرى لمعاونتى الفورية ، بشكل أخجلنى !
فقد حمل أحد الكراسى و وجـه ظهـره إلى أحـد المصابيح ، مطلقاً نقوشـه بشكل ضـوئى  علـى خلفيـة اللقطة ! و عندما أشرت لأحد مساعدى لتولى الأمر نيابة عنه ، رفض بشدة ! و أصر أن أضبط إطار الصورة كما أشاء معدلاً فى زاوية تلك النقوش بما يتوافق مع رؤيتى للموضوع !
د. " محسن أحمد " يحتضن كاميرا السينما كما يحتضن الجندى مدفعه .
هذا هو " محسن أحمد " !

- و فى مرة أخرى التقيت به لأصور معه حلقة بمناسبة خطوته الجريئة فى إخراج الأغانى المصورة ، تلك الخطوة التى أثرى بها بحق هذا المجال ، بعد أن أرسى لجعل الشريط السينمائى أساساً فى جودة العمل به ، طارحاً كل دخلاء المهنة أرضاً !
و لمن لا يعرف فـمحسن أحمد هـو أول من أدخل مفهوم الفيديو كليب فى مصر ، و كان ذلك عندما أطلق ل " عمرو دياب " أغنيته الحدث " حبيبى " !
كان " محسن أحمد " قد صاغ عملاً رائعاً لمطربة شابة ، و كان العمل حديثاً حاضراً على موائد المهنيين و التليفزيونيين ، لما أظهره فيه من ولع بالتفاصيل الشعبية داخل الموالد ، و قدرة على استخدام اسلوب اللقطة الواحدة المستمرة فى بعض الأحيان !
كان اللقاء به مع مجموعة عمل الأغنية فى شقة المطربة ، و حدث أن نشب خلاف حاد بين المطربة و مخرجة البرنامج ، تحول مع إستمراره إلى " خناقة " حارة !
 و وسط دهشة الجميع من هذا الإحتدام ، و تكييل الإتهامات من قبل المطربة لزميلتى المخرجة ، فوجئت بالمطربة تنظر لى أيضاً - على سبيل الإحتياط - و تتهمنى بأننى قد قمت بالضرورة من التضامن مع زميلتى و شوهت صورتها أثناء القيام بالعمل !!!
و طلبت من " محسن أحمد " القيام للتأكد بنفسه من جودة عملى !
و هنا تحدثت فى هدوء - لم أعهده فى نفسى - و قلت أن إطلاع " محسن أحمد " على عملى أو حتى تقييمه شيىء يشرفنى ! فهو فى البداية و النهاية أستاذى و لا أتحفظ إطلاقاً على نصائحه أو ملاحظاته  ثم دعوته ليشاهد ما قمت بتصويره !
و كانت المفاجأة !
لقد رفض " محسن أحمد " الفكرة تماماً ! و أصر على عدم النهوض حتى من مجلسه !
بل و اكتسى و جهه بجدية و هو يوجه كلامه للمطربة و يقول لها بحزم :
- عيب ! عيب تقولى كده !
مرة أخرى هذا هو " محسن أحمد " بضفيرة شخصيته الرائعة ، التى تجمع بين عناصر الإبداع والعلم والأخلاق !

د . "  محسن أحمد " يدير تصوير فيلم " الشبح " فى منطقة "  الماكس "  بالأسكندرية .

- و توالت نجاحاته و توالى إعجابى بها ، ضربات فنية دقيقة ، يهدى بها مدرسة التصوير السينمائى المصرى ، " الشبح " بمعالجته الإضائية الخاصة ، و " دم الغزال " بما فيه من إجادة فنية فى صنع التباين بين عالم الكبار بصورته الناعمة ذات التناسق اللونى المتناغم و التشكيلات الثرية و الإضاءة الناعمة ، و عالم الشيخ " ريشة " العشوائى ، بما فيه من خشونة و تشكيل حاد يكاد فى بعض الأحيان أن يجرحك ! و بما فيه من معلاجات إضائية ، تفضح " سيكوباتية "  شخوصه فى بعض الأحيان ! 

- ثم فيلمه الرائع " الوعد " ، الذى كان بمثابة شهادة تقدير منحها " محسن أحمد " لنفسه !
د . "  محسن أحمد "  يدير تصوير فيلم " الوعد " .

- لقد فسر لنا " محسن أحمد " فى هذا الفيلم لماذا أصبح اسمه علامة للجودة فى هذا الفن الرفيع !
ففى الفيلم ينتقل بمهارة و حرفية شديدة بين كل أجواء التصوير الممكنة !
تارة بين حارات " القاهرة " ، و تارة أخرى بين أزقة " المغرب " !

د . "  محسن أحمد " يجرب بنفسه حركة حرة للكاميرا فى فيلم " الوعد " .
 يصور فى الصحراء و ينفذ المطاردات ! و بين لحظة و أخرى يتحفنا بتتابع إضائى مدهش فى قصر طاغية الفيلم الفاسد " السحراوى " !
لكن أهم ما لفت نظرى - كمصور - هـو هـذا التمكـن الرائـع فـى إضـاءة قصـر خـليـلة البطــل فـى الفيلم - " روبى "- .
انظروا كيف بدا لنا حمام السباحة بداكنته أثناء قفز " آسر ياسين " إليه !
كيف أضاء اللون الأسود بمقدرة و مهارة فى الأغطية و الوسائد بحيث تفصح عن لمعة نسيجها دون أن تفقد خصائصها اللونية !
و كيف مزج إضاءات الخلفية الناعسة بألوانها الحمراء - على البار- بمجموع باقى التشكيل الضوئى  فى الفيلا ، لنجد أنفسنا فى النهاية داخل أحد أوكار الشيطان !

د . "  محسن أحمد " يقيس الإضاءة فى فيلم " الوعد " .



شهادة تقدير منحت للدكتور " محسن أحمد " من جمعية الفيلم عن فيلم " الوعد ".

لقد انبهرت جداً بالفيلم و بمجرد خروجى من دار العرض اتصلت على الفور بمبدع هذا الجمال         " محسن أحمد " و سجلت إعجابى و إمتنانى على ما استمتعت به من عمل على كافة المستويات .


- من الذكريات أيضاً التى مرت بى عن " محسن أحمد " ، أنه ذات إحدى دورات " مهرجان الأسكندرية السينمائى الدولى " جاءت جلستى بالمصادفة أمام كرسيين ، يجلس على أحدهما " وحش الشاشة " الراحل " فريد شوقى " و يجلس على الآخر الرائع " محمود عبد العزيز " ، كان الفيلم المعروض هو فيلم " رغبات " على ما أعتقد ، و هو فيلم صور بعضه " محسن أحمد " و أكمل بعضه الآخر مصور آخر - أو العكس - لا أدرى ! ، المهم وجدت " فريد شوقى " يتبارى مع " محمود عبد العزيز " فى إكتشاف ماصوره " محسن أحمد " ، مختاراً بذلك أفضل المشاهد واللقطات مع مدح له ولتمكنه فى الآداء !
و فى مناسبة أخرى جمعنى اللقاء بال " كينج "  " محمد منيـر"  .
و كنت قد ذهبت إليه مع طاقم عمل لنصوره فى استوديو " ديجيتك " بالقاهرة ، و دار حديث طويل بينى و بين الكينج عن الأغانى المصورة و ذوقه الخاص فيها و وجدته يصطحبنى إلى قاعة بالاستوديو و يرينى آخر أغانيه فى ذلك الوقت " ليلى " التى أخرجها " طارق العريان " و صورها " محسن أحمد " و بينما يتحدث حضر " طارق العريان " و دار حوار حول صعوبات التصوير بالأغنية التى أرادوا أن تبدو كلقطة واحدة مما إستدعى مجهوداً شاقاً و إضافياً على " محسن أحمد " فى إضاءة مساحات شاسعة ستتحرك بها الكاميرا فى أماكن متعددة و عبر تشكيلات متباينة.
 و الحق يقال فقد أجللت الرجلين ـ" محمد منير " و " طارق العريان " ـ لما إعترفوا به من فضل و إحتراف ل " محسن أحمد " كان سبباً فى خروج الأغنية بهذا الشكل البديع .


- إن رحلة " محسن أحمد " الفنية ، هى رحلة عظيمة و ثرية ، جديرة بكل الإحترام .
فهو شخص عصامى ، خرج من حى " السيدة زينب " بصدر تنفس عبق التاريخ و الناس ممتزجاً  بعبق بخور السيدة !
أخلص لهواية حتى أصبحت مهنة ، و لم يقف ساكناً أبداً أما نداء العلم أو العمل ، حفر اسمه فى تاريخ السينما المصرية بالعرق و المجهود و التجريب ، خاض معارك ضخمة فى إثبات الذات ، و دخل عن طيب خاطر إلى مناطق شائكة احتجب الكثير غيره عن دخولها - إيثاراً للسلامة - كمنطقة " الإخراج السينمائى " ، التى أبدع فيها و لم يقدم أعمالاً هزيلة تقل من  قدره ، أو تكون عبئاً بفشلها على من سيخوض تلك التجربة - بعده - من المصورين !
حصل على أرفع الدرجات العلمية فى التخصص - الدكتوراة - و هو فى أوج مجده الفنى و الإحترافى ، ليدلل للأدعياء أن النجاح العلمى لاينفصل عن النجاح العملى ، و إنما هما وجهان لعملة واحدة !
باختصار لقد انتزع " محسن أحمد " احترامه إنتزاعاً !
وأصبح بحق مثلاً أعلى لكل " سينمائى " أو " مصور" يسعى لأن يصبح شيئاً فى هذا المجال !

- تحياتى لأستاذى و محل فخرى ، الدكتور " محسن أحمد " - " أبو ليـلى "- عاشق الطبيعة ، و الساعات الساحرة .
و تمنياتى القلبية له دائماً بمزيد من الإنتاج و الإبداع و أطالبه بدعم المكتبة العربية و السينمائية بكتب ترصد تجربته الضخمة و المثيرة فى الإبداع السينمائى عبر تقنيات إختلفت مع تطورالمهنة والآداء .

ثم أختتم حديثى عنه بدعاء من القلب أن يمنحه الله تعالى الصحة والسعادة ، و التوفيق الدائم .