![]() |
-عالم ( الأقلام الجافة ) عالم كبير وعجيـب ! |
.. قلـم جاف ..
- إسمحوا لى أن أحدثكم عن صديق إستثنائى و هو " القلم الجاف " !
- بدأت علاقتى بالقلم الجاف - مثل سائر الأطفال ، علاقة متوترة ، تصل إلى البغض والنبذ أحياناً ! فقد كنت لا أزال تحـت سطـوة نعـيم " القلم الرصاص " ، ذلك الذى يتيح لك المسح و التعديل و إخراج صحيح ماتريده ، و هو أيضاً يوفر لك بعضاً من أسباب إقتطاع الوقت ، أثناء الحصص وآداء الواجبات المدرسية ، بإعادة بريه و التحجج باضمحلال طوله ، الذى يوقف مسيرة العمل حتى يتوفر نظير له جديد !
- أما " القلم الجاف " فقد كان يحمل فى قسماته صفات النضوج والاحتراف ، فهو آداة الكبار فى الكتابة و بعضهم يحمل أنواعاً باهظة منه للتباهى و التزين ، و هو قاطع فى آدائه ، صارم فى نهائية ما يدونه ، فاضح حين الشطب !
- الحق أن بدايتى معه كانت أشبه ماتكون ببداية جنين يستنشق هواء الحياة لأول مرة مواجهاً أول معارك التغيير !
![]() |
- هناك من أنواع " القلم الجاف " ماهو باهظ و غال الثمن مما يجعله آداة للتباهى والتزين ! |
- كان خطى به بالغ السوء و كنت أخاف من حمله لما قد يعتريه أحياناً من تسرب لحبره الكثيف - المبقع للملابس - و كنت أسخر منه أحياناً حين يصدر خطاً متقطعاًأو يتوقف عن الكتابة ، رغم توفر حبره !
- كنت أهينه ! و أستمتع بنعته بأرذل صفات الغباء و أعايره مادحاً حبيبى القديم - القلم الرصاص - و ربما أقذف به إلى الحائط - بصبيانية - ليسقط متهشماًو تتناثر اجزاءه فى كافة الأرجاء !
ربما أيضاً أذيقه بعضاً من صنوف العذاب - إذا أصابته علة ما - فأحشوه بالورق لأدعم إستطالة أنبوبه ، أو أعاجلها بالنفخ و النقع فى الماء الساخن ، إذا لم يعجبنى كثافة ماتدره من حبر!
![]() | ||
- من منا لم يكتب بالقلم "الفرنساوى" ( الأكثر شعبية )فى المرحلةالإعدادية والثانوية ! | . |
- ثم جاءت لحظات التعرف على إمكانيات " القلم الجاف " حين وصلت إلى الدراسة الجامعية فقد وجدت نفسى لأول مرة فى سباق جديد تماماً على يدى ـ ألا و هو ـ سباق كتابة المحاضرات فور خروج كلماتها على لسان الأساتذة خاصة و أن منهم من كان يعتمد إعتماداً كلياً على ما يتفوه به دون كتاب أو مذكرات أخرى مساعدة ! و هنا ... أخفق " القلم الرصاص " فى معاونتى فقد كان يتأخر فى الإستجابة و حين كان يستجيب يؤدى الكلمات بلون باهت يضيف عبئاً جديداً أثناء إسترجاع تلك المحاضرات
هذا بالإضافة إلى أنه كان كثيراً ما ( ينقصف ) !
و فتنت بعالم " القلم الجاف " ذلك الإختراع الغريب فهو أنواع و ماركات .. خواص و صفات .. بلاد منشأ و أسعار ، و إكتشفت أن بلدى " مصر " تلك التى تصنع الحديد و الصلب و تشتهر بصناعة النسيج و العديد من الصناعات الأخرى الناجحة .. لم تنجح ـ إلى الآن ـ فى صناعة " قلم جاف " يشار له بالبنان !!!!! إنما أصبحت فقط عبارة " صنع فى مصر " على أى " قلم جاف " - مع الأسف - عنوان للرداءة و ضعف الآداء !.
- فى سن " القلم الجاف " توجد كرة ، تلك الكرة يتوقف عليها أشياء كثيرة و كبيرة من قيمته ـ فهى تدور فى محور متناه فى الصغر لتلتقم الحبر من داخل الأنبوبة و تعيد طلاء الورق به ـ لذا ـ فإذا إعترى هذه الكرة أى من إعاقة فتأكد أنها ستعتل و ربما تنهى حياة قلمها إلى الأبد !.
فإذا تعرضت إلى ضغط أكثر مما يتحمل فسيعود بها ذلك إلى ما وراء محورها و تتوقف عن الآداء ـ أما إذا نالها عن طريق الخطأ بعض من المواد الصمغية أو شمعية فإن ذلك سيؤدى أيضاً إلى توقفها عن الآداء حين تلامس تلك الأجزاء الورق نظراً لعدم إلتصاق الحبر بها من الأساس و لعل سرعة دوران تلك الكرة و سلاسة الإستجابة عبر الإتجاهات هى سر أسرار تميز " قلم " عن " قلم " من حيث جمال الخط و سرعة كتابته .
أما العنصر الثانى المهم فهو جودة و نقاء الحبر المختزن داخل الأنبوب فلزوجة هذا الحبر هى أيضاً سر من أسرار سلاسة الكتابة لأن لزوجته كلما زادت كلما إمتنع القلم عن الكتابة ! و كلما قلت كلما كان إمداده لكرته وفيراً بصورة رائعة ـ إلا أن ـ اللزوجة تقتضى معها تصميماً من حيث إحكام كرة السن حتى لا تسمح بتسربها إلى خارج القلم و صنع كوارث التلطيخ !.
هو آداه جيدة : تضيف صفحات جديدة إلى ذاكرتك تدون و ترتب بها أفكارك حين تستعد للمواجهه ، تلخص بها ما تشاء حين تشرع لضبط و تنسيق أمورك .
و كم من مرات أنقذتنى تدويناتى الصغيرة على قصاصات الورق فهى تحفظ لك عنواناً أو رقم هاتف أو نص ما قاله أحدهم حتى تذكره به إذا كان من معتادى الكذب !.
لذا فقد أصبح القلم الجاف قريناً و صديقاً و كنت أعانى ممن يطلب إستعارته منى أحياناً و أكون فى أشد حالات الحنق حين أعطيه له و كأننى أقتطع جزءاًمنى فوجوده فى جيبى يشعرنى بأمان من نوع خاص !... و هناك من يستعير " القلم " و لا يعيده لك و يعتبر أن " القلم " لا يساوى سوى قيمته المادية المتمثلة فى قروش زهيدة فإذا طلبته منه سيعيده إليك مشفوعاً بدهشته و تعجبه من مدى شحك و بخلك !....
هو لا يعلم تلك القيمة بين المبدع و أدواته و لا تلك العلاقة التى تحول ذلك الشئ من جماد لا يشعر إلى كائن يشعر و يتنفس كلامك و يرتعش مع إرتجاف يدك !
اعط قلماً ليد فتكتب خطأ و اعط نفس القلم ليد أخرى فسيكتب شيئاً آخر!
إذاً فالنظرية صحيحة حن نمده بسحر الروح فتدب فى خطوطه و تجعله يبوح بما يجول فى خلدنا.
![]() |
( جلسات متعددة للرسم بالأقلام الجافة ) |
و هنا إنفتحت أمامى بوابة سحرية ضخمة فقد بدأ " القلم الجاف " يستوعبنى و يصيغ رغباتى التشكيلية و أصبحت مواظباً على إجراء التجارب و إستنباط الجديد فى تقنيات التعامل معه كوسيلة للآداء التشكيلى .
![]() |
لوحة ( الفاعل ) إحدى لوحاتى المنفذة بالقلم الجاف . |
و إكتشفت مثلاً أنك حين تذهب إلى البائع و تشترى " قلماً جافاً " رخيصاً عادياً و تجربه ثم تشترى قلماً آخر من نفس النوع و بالطبع من علبة أخرى ... فستفاجئ بإكتشاف خطير - أن لكل " قلم " منهم درجة لون تختلف عن قرينه - و هى ميزة تشكيلية هائلة يعرفها على وجه التأكيد كل من يعشق الرسم مستخدماً الظل و النور !.
و هنا إنطلقت فى صياغة العديد من اللوحات التى تختص فقط بآداء " القلم الجاف " .و لا تتعجبوا فهى أحياناً ضخمة تتخطى المتر من حيث الطول و أحياناً لا يتخطى طولها العشر سنتيمترات !.
أخذتنى ألوانه المتعددة الساحرة و إكتشفت أن مصانع " الأقلام الجافة " تنتج الكثير من ألوانها الإستثنائية كالون الأصفر أو البنى مثلاً ... و هى ألوان فى الغالب ترفض المكتبات المصرية عرضها أو الإتجار فيها لأنها غير مطلوبة كالألوان المعتادة من أزرق و أسود و أحمر و أخضر!
- تستطيع أن تحول أى ورقة إلى عمل فنى رائع دون أى كلفة سوى إقتناء " قلم جاف " رخيص الثمن لا يتخطى بأى حال الجنيه الواحد !...فقط عليك أن تجرب و تثابر و تثق بنفسك و بمهارتك ـ هذا بالطبع إذا أردت!
![]() | ||
- ( الثائر ) إحدى لوحاتى المنفذة - تماماً - بالأقلام الجافة. |
و سترى بعضاً من نماذج عملى المتواضع مع هذا المقال و التى ربما أتعشم أن تفتح شهيتك أما إذا كنت لا تجيد الرسم فثق أن هناك فى رأسك الكثير من الأفكار الجديرة بالتدوين و هى بحاجة لأن تراها بعينيك لتخرجها من مرحلة التصور إلى مرحلة الإدراك .
و هو ما لن يتم إلا " بقلمك الجاف " الحميم الذى لا يفارق جيبك و لا تعيره لأحد !.أما إذا كنت معرضاً دائماً لإستعارة " الأقلام " فإصطحب معك " قلماً " إضافياً للإستعارة و ضعه فى أىٍ من جيوبك و لا تعول على إختفائه !...
- أما " قلمك الجاف " الحميم فلا يترك أبداً مكانه فى جيبك الداخلى .....
" بجـوار القـلب ".
![]() |
- لوحة ( رحلة إلى أرض السلام ) وهى أيضاً منفذة بالكامل بالأقلام الجافة . |